" كان الله في المسيح مصالحاً العالم لنفسه "
في عالمٍ يسوده الخصام والشقاق ، ما أحوجَ الانسان الى السلام والمصالحة ! راح البعض يفسّر حالة الانسان الروحية والاخلاقية المتردّية ، فقال أنه لا يوجد شيء اسمه خطأ أو خطيئة ، بل هذا من اختراع الأديان ورجالها. ولكن هذا التفسير غير صحيح أبداً ! ففي عمق كيان الانسان ، يعلم كل واحد منّا انه هناك شرٌّ وخير ، خصام وسلام ، خطيئة وصلاح . وهذه الحقيقة الكامنة في دواخلنا، لا تحتاج الى رجل دين ليؤكدها ، ولا الى ملحدٍ لينكرها .
فطبيعتنا البشرية قد دخلها الخطأ والميل الى الشر والخصام والخطيئة ؛ لذلك يحاول كل واحد منّا ان ينتصر على ميوله الخاطئة ، سعياً وراء الخير والجمال في الأدب والأخلاق والمعاملة الحسنة . هذا الصراع بين الخير والشر موجودٌ في كل انسان . طبعاً تلعب التربية البيتية أو الدينية دوراً مهمّاً في دفع الانسان الى الصلاح والخير ؛ كما أنّ أثر خلقِ الله الحسن له دوره في ضمير الانسان وباطنه . ولكن ! ولكن ، يعرف كل واحد منّا ، ويعترف لنفسه على الأقل ، أنه مغلوبٌ من الشر والخطيئة ؛ وكلّما حاولنا التخلّص من عادة بشعة أو من خطيئة ما ، وقعنا في اُخرى ابشع منها ، وغُصنا الى ما فوق آذاننا ! وبينما يحاول البشر تحسين حالهم ، إذا بهم يخلقون عُقداً وصعوبات تزيد الطين بَلاًّ . وبينما نحاول التقرّب الى الله وطاعة وصاياه ، إذا بنا نغضب ونشتم ونكفر عند أول مشكلة او عرقلة !
هذا الانحراف الباطني نحو الشر ، على اختلاف صُوَره لا بدّ ان ينتهي بنا الى الابتعاد الأبدي عن الله القدوس الطاهر . وما نراه اليوم في عالمنا ، إنّما هو صورة مصغّرة عن ابتعاد الناس عن الله . قف لحظة في احدى اماكن تجمّع الناس ، وراقب تحرّكاتهم ، فكل واحد مشغول بهدفٍ ما : منهم مَن يسعى لتحصيل معيشته ، أو متابعة دروسه ، أو تأدية واجباته - هذا طبيعي ، ولا شرّ في ذلك أبداً - ومنهم مَن يسعى لخداع فلان ، أو لسرقة آخر ، أو التعدّي على هذا أو ذاك - وهذا غير طبيعي ، وكل الشر في ذلك طبعاً . ولكن ، كم من هؤلاء الناس ، من كِلا الجانبين يفكّر في الاقتراب الى الله ؟ مَن مِن هؤلاء يحسب حساب نفسه الخالدة والتي لا بدّ أن تنتهي إمّا في العذاب والعقاب أو في النعيم الثواب ؟ والجواب هو أن كثيرين جداً هم الذين لا يجدون وقتاً لمعرفة الله ولا للعيش في رضاه ؛ وأكثر منهم هم الذين يعيشون ليومهم ولهذه الأرض فقط ، ولا يهمّهم أمر الأبدية !
لكنّ الله العلي ، القدّوس والمحب ، رأى مصير البشر الرهيب ، فاهتم بأمر ابديتهم ، واراد أن يخلّص كل مَن يلتفت إليه بالإيمان ؛ وقد قال في الكتاب المقدس : " إلتفتوا اليّ واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض ، لأني أنا الله وليس آخر." ولكي يحقّق الله خلاصَ الانسان ، جاء في المسيح الذي حمل عقاب البشر على خطاياهم لإرواء سيف العدل الإلهي، والذي يمنح الغفران والمصالحة مع الله لكل مَن يؤمن به ويصمّم على العيش في رضى الله بقوة روحه الصالح .
وقد قال بفمه الطاهر : " تعالوا اليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا اريحكم." فوعد الله الصادق ، وكلامه في المسيح حقيقي ، فهو المخلّص ومريح التعابى ، وهو وحده القادر أن يمنح الانسان السلام والمصالحة والصلاح .
" لقد كان الله في المسيح مصالحاً العالم لنفسه " ، فمَن تُرى يمدّ يد المصالحة ويعود الى الله بالايمان بالمسيح ؟ إنّ الله قادرٌ على تجديد قلب كل تائب صادق لكي يحيا في رضاه ، فيضمن الحياة في النعيم بحسب وعد الله .