"دعوا الأطفال يأتون إلي ولا تمنعوهم ..."دعو الأطفال يأتون إلي ولا تمنعوهم
لا أستطيع تحديد الزمان بدقة ..لكنني أذكر أنني كنت برفقة أخوتي وأترابي نلعب "الاستغماية".
.كنا في عمر الزهور ...و أذكر أيضا أن إحدى الفتيات الصغيرات قد وجدت المكان الذي كنا مختبئين فيه ..
كنا قد تسلقنا شجرة السنديان الكبيرة وأخفينا ضحكاتنا وهمساتنا وتركنا قلوبنا الصغيرة تخفق بشدة
وقد توسعت حدقات أعيننا ونحن نشاهدها تقترب من جذع السنديانة ...لكن أحد الأشقياء كان قد تدلى بسرعة من على الغصن, رأسه نحو الأسفل,
مكشرا عن أسنانه الأمامية المكسرة ووجه المليء بالنمش ... محاولا إخافة الصغيرة ...
فانكسر الغصن من "ثقل دمه" وسقط محطما ما تبقى من أسنان في فمه ! حينها سمعنا الصغيرة تقول له:
مثتاهل ! وكانت تجد صعوبة في لفظ السين والراء أحيانا !... كنا قريبين جدا من السماء...
وأذكر أيضا أننا ونحن معلقين على أغصان السنديانة رأينا حشدا من الناس مجتمعين
وكان أحدهم يقف في الوسط رافعا يديه نحو السماء كأغصان هذه السنديانة تماما ...
كنا نود لو تعيرنا عصافير الدوري أجنحتها فنحط في وسطهم ! نزلنا..
تركنا نعالنا وأطلقنا أقدامنا العارية للريح, ووجوهنا عارية إلا من الابتسامة ورائحة الطفولة اللذيذة تفوح من وجناتنا ..
والصغيرة ورائنا تصيح :انتظلوني !! وهي تضرب قدمها في الأرض بغضب !
ولما وجدت أن صراخها كان عبثا ..أطلقت جدائلها للريح وتبعتنا .
وصلنا وحاولنا أن ندفع هذه أجساد المغروسة في الأرض بأجسادنا الرقيقة وقاماتنا الصغيرة
وعندما حشرنا رؤوسنا الصغيرة بين هذه الجذوع سمعناهم يتهامسون إنه المعلم.. المعلم إنه المعلم!
" المعلم " ؟ أذكر أننا حاولنا الهرب لكن الأيادي الخشنة امتدت نحو سواعدنا وأمسكت بنا تشدنا نحو المعلم
ونحن لا حول لنا ولا قوة كنا نشبه ذلك العصفور البري الذي أمسكنا به وحبسناه داخل القفص
وقد تكسرت أجنحته وهو يضرب بها القضبان محاولا الهروب و معبرا عن غضبه ...
وقفنا مذعورين في الوسط وكان كل واحد منا يستطيع سماع نبض قلب صديقه وازدادت ضربات قلوبنا عندما صرخ البعض أبعدوهم ..
هيا !
لكن ظلا دافئا تحرك نحونا ...وأطل وجه المعلم , عندها ارتسمت على وجوهنا إمارات الفرح وانطلقت من القلوب ضحكات شقية ..
ولمعت في عيوننا أمال كثيرة ...في ذلك اليوم أذكر جيدا كيف ارتفعت يده فوق رؤوسنا كغمامة صيفية وأمطرت بركة وحبا...
كانت عيوننا تتابع أدق تفاصيل حركاته . كان صوته عذبا وخيل لنا أن هذا الوجه الجميل لا يعرف سوى الابتسام .
.إلى أن رفع عينيه نحوهم وخاطبهم بلهجة حازمة وكأنه يوبخهم ما زلت أحفظ ما قاله.. انطلقنا من بين أحضانه كسرب الحمام
وعدنا لكي نستظل تحت فيء السنديانة وكانت سو سنة أصغرنا ما زالت سكرى من حلاوة اللقاء ...
كلما نظرت إلى السنديانة تذكرت يدا المعلم ..مازالتا تعانقا السماء وما زلت أذكر قوله :"
دعوا الأطفال يأتون إلي ولا تمنعوهم ..." لماذا ؟
و اليوم وقد غزا الشيب شعري...وذبلت الابتسامة أو أنها آثار الشيخوخة؟ ..
لو أن هذا الدوري السعيد يحملني إلى أعلى غصن في هذه السنديانة العتيقة... علني أرى ذلك الحشد من جديد ..
من سيعينني على المشي ...سو سنة ؟
تعالي يا سو سنة الصغيرة وأنعشي ذاكرتي وخبريني ما الذي كان يعنيه المعلم بقوله :...+
المصدر: منتديات كنيسة مارجرجس بالحتاحتة